فصل: الآية (‏155‏)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


-  الآية ‏(‏154‏)‏‏.‏

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال‏:‏ أعطى الله موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد فيها تبيان لكل شيء وموعظة التوراة مكتوبة، فلما جاء بها فرأى بني إسرائيل عكوفا على العجل، فرمى التوراة من يده فتحطمت، وأقبل على هرون فأخذ برأسه، فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع ‏{‏فلما ذهب عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون‏}‏ قال‏:‏ فما بقي منها‏.‏

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن مجاهد‏.‏ إن سعيد بن جبير قال‏:‏ كانت الألواح من زمرد، فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل وبقي الهدى والرحمة، وقرأ ‏{‏وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء‏}‏ ‏(‏الأعراف آية 145‏)‏ وقرأ ‏{‏ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة‏}‏ قال‏:‏ ولم يذكر التفصيل ههنا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ‏{‏واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا‏}‏ قال‏:‏ اختارهم ليقوموا مع هرون على قومه بأمر الله ‏{‏فلما أخذتهم الرجفة‏}‏ تناولتهم الصاعقة حين أخذت قومهم‏.‏

وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي سعد عن مجاهد ‏{‏واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة‏}‏ بعد أن خرج موسى بالسبعين من قومه يدعون الله ويسألونه أن يكشف عنهم البلاء فلم يستجب لهم، علم موسى أنهم قد أصابوا من المعصية ما أصاب قومهم قال أبو سعد‏:‏ فحدثني محمد بن كعب القرظي قال‏:‏ فلم يستجب لهم من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر ولم يأمروهم بالمعروف، فأخذتهم الرجفة فماتوا ثم أحياهم الله‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن الفضل بن عيسى بن أخي الرقاشي‏.‏ إن بني إسرائيل قالوا ذات يوم لموسى‏:‏ ألست ابن عمنا ومنا وتزعم أنك كلمت رب العزة، فإنا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فلما أن أبوا إلا ذلك أوحى الله إلى موسى‏:‏ أن اختر من قومك سبعين رجلا‏.‏ فاختار موسى من قومه سبعين رجلا خيرة، ثم قال لهم‏:‏ اخرجوا‏.‏ فلما برزوا جاءهم ما لا قبل لهم به فأخذتهم الرجفة، قالوا‏:‏ يا موسى ردنا‏.‏ فقال لهم موسى‏:‏ ليس لي من الأمر شيء سألتم شيئا فجاءكم فماتوا جميعا، قيل‏:‏ يا موسى ارجع‏.‏ قال‏:‏ رب إلى أين الرجعة‏؟‏ ‏{‏قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا‏}‏ ‏(‏الأعراف آية 155‏)‏ إلى قوله ‏{‏فسأكتبها للذين يتقون‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ قال عكرمة‏.‏ كتبت الرحمة يومئذ لهذه الأمة‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت وابن جرير ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي رضي الله عنه قال‏:‏ لما حضر أجل هرون أوحى الله إلى موسى‏:‏ أن انطلق أنت وهرون وابن هرون إلى غار في الجبل فأنا قابض روحه، فانطلق موسى وهرون وابن هرون، فلما انتهوا إلى الغار دخلوا فإذا سرير، فاضطجع عليه موسى ثم قام عنه فقال‏:‏ ما أحسن هذا المكان يا هرون، فاضطجع هرون فقبض روحه، فرجع موسى وابن هرون إلى بني إسرائيل حزينين‏.‏ فقالوا له‏:‏ أين هرون‏؟‏ قال‏:‏ مات‏.‏ قالوا‏:‏ بل قتلته، كنت تعلم أنا نحبه‏.‏ فقال لهم موسى‏:‏ ويلكم أقتل أخي وقد سألته الله وزيرا، ولو أني أردت قتله أكان ابنه يدعني‏!‏‏؟‏ قالوا له‏:‏ بلى قتلته حسدتناه‏.‏ قال‏:‏ فاختاروا سبعين رجلا فانطلق بهم، فمرض رجلان في الطريق فخط عليهما خطا، فانطلق موسى وابن هرون وبنو إسرائيل حتى انتهوا ألى هرون، فقال‏:‏ يا هرون من قتلك‏؟‏ قال‏:‏ لم يقتلني أحد ولكني مت قالوا‏:‏ ما تقضي يا موسى ادع لنا ربك يجعلنا أنبياء‏.‏ قال‏:‏ فأخذتهم الرجفة فصعقوا وصعق الرجلان اللذان خلفوا، وقام موسى يدعوا ربه ‏{‏ولو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا‏}‏ فأحياهم الله فرجعوا إلى قومهم أنبياء‏.‏

-  الآية ‏(‏155‏)‏‏.‏

- أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏واختار موسى قومه‏}‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختار سبعين رجلا فبرز بهم، فكان ليدعوا ربكم فيما دعوا الله أن قالوا‏:‏ اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدا بعدنا، فكره الله ذلك من دعائهم، فأخذتهم الرجفة قال موسى ‏{‏لو شئت أهلكتهم من قبل‏.‏‏.‏‏.‏ إن هي إلا فتنتك‏}‏ يقول‏:‏ إن هو إلا عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عمن تشاء‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن نوف الحميري قال‏:‏ لما اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقات ربه قال الله لموسى‏:‏ أجعل لكم الأرض مسجدا وطهورا، وأجعل لكم السكينة معكم في بيوتكم، وأجعلكم تقرأون التوراة من ظهور قلوبكم فيقرأها الرجل منكم والمرأة، والحر والعبد، والصغير والكبير‏.‏ فقال موسى‏:‏ إن الله قد جعل لكم الأرض مسجدا وطهورا‏.‏ قالوا‏:‏ لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس‏.‏ قال‏:‏ ويجعل السكينة معكم في بيوتكم‏.‏ قالوا‏:‏ لا نريد إلا كما كانت في التابوت‏.‏ قال‏:‏ ويجعلكم تقرأون التوراة عن ظهور قلوبكم، فيقرأها الرجل منكم والمرأة، والحر والعبد، والصغير والكبير‏.‏ قالوا‏:‏ لا نريد أن نقرأها إلا نظرا‏.‏ قال الله ‏{‏فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة‏}‏ إلى قوله ‏{‏المفلحون‏}‏ قال موسى‏:‏ أتيتك بوفد قومي فجعلت وفادتهم لغيرهم اجعلني نبي هذه الأمة‏.‏ قال‏:‏ إن نبيهم منهم‏.‏ قال‏:‏ اجعلني من هذه الأمة‏.‏ قال‏:‏ إنك لن تدركهم‏.‏ قال‏:‏ رب أتيتك بوفد قومي فجعلت وفادتهم لغيرهم‏.‏ قال‏:‏ فأوحى الله إليه ‏{‏ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏ ‏(‏الأعراف الآية 159‏)‏ قال‏:‏ فرضي موسى‏.‏ قال نوف‏:‏ ألا تحمدون ربا شهد غيبتكم، وأخذ لكم بسمعكم، وجعل وفادة غيركم لكم‏؟‏ وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن نوف البكالي‏.‏ إن موسى لما اختار من قومه سبعين رجلا قال لهم‏:‏ فدوا إلى الله وسلوه فكانت لموسى مسألة ولهم مسألة، فلما انتهى إلى الطور - المكان الذي وعده الله به - قال لهم موسى‏:‏ سلوا الله‏.‏ قالوا ‏{‏أرنا الله جهرة‏}‏ ‏(‏النساء الآية 153‏)‏ قال‏:‏ ويحكم‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ تسألون الله هذا مرتين‏؟‏ قال‏:‏ هي مسألتنا أرنا الله جهرة فأخذتهم الرجفة فصعقوا، فقال موسى‏:‏ أي رب جئتك بسبعين من خيار بني إسرائيل، فأرجع إليهم وليس معي منهم أحد، فكيف أصنع ببني إسرائيل، أليس يقتلونني‏؟‏ فقيل له‏:‏ سل مسألتك‏.‏ قال‏:‏ أي رب إني أسألك أن تبعثهم‏.‏ فبعثهم الله فذهبت مسألتهم ومسألته، وجعلت تلك الدعوة لهذه الأمة‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي سعيد الرقاشي في قوله ‏{‏واختار موسى قومه سبعين رجلا‏}‏ قال‏:‏ كانوا قد جاوزوا الثلاثين ولم يبلغوا الأربعين، وذلك أن من جاوز الثلاثين فقد ذهب جهله وصباه، ومن بلغ الأربعين لم يفقد من عقله شيئا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ‏{‏واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا‏}‏ قال‏:‏ لتمام الموعد‏.‏ وفي قوله ‏{‏فلما أخذتهم الرجفة‏}‏ قال‏:‏ ماتوا ثم أحياهم‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله ‏{‏إن هي إلا فتنتك‏}‏ قال‏:‏ بليتك‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ‏{‏إن هي إلا فتنتك‏}‏ قال‏:‏ مشيئتك‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال‏:‏ قال موسى‏:‏ يا رب إن هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل أرأيت الروح من نفخها فيه‏؟‏ قال الرب‏:‏ أنا‏.‏ قال‏:‏ رب فأنت إذا أضللتهم‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن راشد بن سعد‏.‏ أن موسى لما أتى ربه لموعده قال‏:‏ يا موسى، إن قومك افتتنوا من بعدك‏.‏ قال‏:‏ يا رب وكيف يفتنون وقد أنجيتهم من فرعون، ونجيتهم من البحر، وأنعمت عليهم‏؟‏ قال‏:‏ يا موسى إنهم اتخذوا من بعدك عجلا جسدا له خوار‏.‏ قال‏:‏ يا رب فمن جعل فيه الروح‏؟‏ قال‏:‏ أنا‏.‏ قال‏:‏ فأنت أضللتهم يا رب‏.‏ قال‏:‏ يا موسى، يا رأس النبيين، يا أبا الحكماء، إني رأيت ذلك في قلوبهم فيسرته لهم‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي عمر العدني في مسنده وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال‏:‏ إن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم يرضوا بالعجل، ولم ينهوا عنه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن أولئك السبعين كانوا يلبسون ثياب الطهرة ثياب يغزله وينسجه العذارى، ثم يتبرزون صبيحة ليلة المطر إلى البرية فيدعون الله فيها، فو الله ما سأل القوم يومئذ شيئا إلا أعطاه الله هذه الأمة‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن‏.‏ إن السبعين الذين اختار موسى من قومه كانوا يعرفون بخضاب السواد‏.‏

-  الآية ‏(‏156 - 157‏)‏‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس في قوله ‏{‏واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة‏}‏ قال‏:‏ فلم يعطها موسى ‏{‏قال عذابي أصيب به من أشاء‏}‏ إلى قوله ‏{‏المفلحون‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ‏{‏واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة‏}‏ قال‏:‏ فكتب الرحمة يومئذ لهذه الأمة‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج ‏{‏واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة‏}‏ قال‏:‏ مغفرة‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ‏{‏إنا هدنا إليك‏}‏ قال‏:‏ تبنا إليك‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد ين جبير في قوله ‏{‏إنا هدنا إليك‏}‏ قال‏:‏ تبنا‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وجرة السعدي - وكان من أعلم الناس بالعربية - قال‏:‏ لا والله لا أعلمها في كلام أحد من العرب ‏(‏هدنا‏)‏ قيل‏:‏ فكيف قال‏:‏ هدنا بكسر الهاء‏؟‏ يقول‏:‏ ملنا‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن وقتادة في قوله ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء‏}‏ قالا‏:‏ وسعت في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في قوله ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء‏}‏ قال‏:‏ رحمته في الدنيا على خلقه كلهم يتقلبون فيها‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سماك بن الفضل‏.‏ أنه ذكر عنده أي شيء أعظم، فذكروا السموات والأرض وهو ساكت فقالوا‏:‏ ما تقول يا أبا الفضل‏؟‏ فقال‏:‏ ما من شيء أعظم من رحمته، قال الله تعالى ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء‏}‏‏.‏

وأخرج أحمد وأبو داود عن جندب بن عبد الله البجلي قال‏:‏ جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها، ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نادى‏:‏ اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لقد حظرت رحمة واسعة، إن الله خلق مائة رحمة، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنها وإنسها وبهائمها، وعنده تسعة وتسعون‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد ومسلم عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏إن لله مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسع وتسعون إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان موقوفا وابن مردويه عن سلمان قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السموات والأرض، كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض، فأهبط منها رحمة إلى الأرض، فيها تراحم الخلائق، وبها تعطف الوالدة على ولدها، وبها يشرب الطير والوحوش من الماء، وبها تعيش الخلائق، فإذا كان يوم القيامة انتزعها من خلقه ثم أفاضها على المتقين، وزاد تسعا وتسعين رحمة، ثم قرأ ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون‏}‏ ‏"‏0

وأخرج الطبراني عن حذيفة بن اليمان قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه، الأحمق في معيشته، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري‏.‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏افتخرت الجنة والنار، فقالت النار‏:‏ يا رب، يدخلني الجبابرة والملوك والأشراف‏.‏ وقالت الجنة‏:‏ يا رب‏.‏ يدخلني الفقراء والضعفاء والمساكين‏.‏ فقال الله للنار‏:‏ أنت عذابي أصيب بك من أشاء، وقال للجنة‏:‏ أنت رحمتي وسعت كل شيء، ولكل واحدة منكما ملؤها‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بكر الهذلي قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء‏}‏ قال إبليس‏:‏ يا رب، وأنا من الشيء‏.‏ فنزلت ‏{‏فسأكتبها للذين يتقون‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ فنزعها الله من إبليس‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء‏}‏ قال إبليس‏:‏ وأنا من الشيء‏.‏ فنسخها الله، فأنزل ‏{‏فسأكتبها للذين يتقون‏}‏ إلى آخر الآية‏.‏

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء‏}‏ قال إبليس‏:‏ أنا من كل شيء‏.‏ قال الله ‏{‏فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة‏}‏ قالت يهود‏:‏ فنحن نتقي ونؤتي الزكاة‏.‏ قال الله ‏{‏الذين يتبعون الرسول النبي الأمي‏}‏ فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود، وجعلها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة نحوه‏.‏

وأخرج البيهقي في الشعب عن سفيان بن عيينة قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء‏}‏ مد إبليس عنقه فقال‏:‏ أنا من الشيء‏.‏ فنزلت ‏{‏فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون‏}‏ فمدت اليهود والنصارى أعناقها فقالوا‏:‏ نحن نؤمن بالتوراة والإنجيل، ونؤدي الزكاة‏.‏ فاختلسها الله من إبليس واليهود والنصارى، فجعلها لهذه الأمة خاصة فقال ‏{‏الذين يتبعون‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبزار في مسنده وابن مردويه عن ابن عباس قال‏:‏ سأل موسى ربه مسألة فأعطاها محمدا صلى الله عليه وسلم‏.‏ قوله ‏{‏واختار موسى قومه‏}‏ إلى قوله ‏{‏فسأكتبها للذين يتنقون‏}‏ فأعطى محمدا صلى الله عليه وسلم كل شيء‏.‏ سأل موسى ربه في هذه الآية‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏فسأكتها للذين يتقون‏}‏ قال‏:‏ كتبها الله لهذه الأمة‏.‏

وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال‏:‏ دعا موسى فبعث الله سبعين، فجعل دعاءه حين دعاه لمن آمن بمحمد، واتبعه قوله ‏{‏فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين،‏.‏‏.‏‏.‏فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين يتبعون محمدا‏}‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ‏{‏فسأكتبها للذين يتقون‏}‏ قال‏:‏ يتقون الشرك‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير ‏{‏فسأكتبها للذين يتقون‏}‏ أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال موسى‏:‏ يا ليتني أخرت في أمة محمد‏.‏ فقالت اليهود لموسى‏:‏ أيخلق ربك خلقا ثم يعذبهم‏؟‏ فأوحى الله إليه‏:‏ يا موسى ازرع‏.‏ قال‏:‏ قد زرعت‏.‏ قال‏:‏ أحصد‏.‏ قال‏:‏ قد حصدت‏.‏ قال‏:‏ دس‏.‏ قال‏:‏ قد دست‏.‏ قال‏:‏ ذر‏.‏ قال‏:‏ قد ذريت‏.‏ قال‏:‏ فما بقي‏؟‏ قال‏:‏ ما بقي شيء فيه خير‏.‏ قال‏:‏ كذلك لا أعذب من خلقي إلا من لا خير فيه‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏ إنه سئل عن أبي بكر وعمر فقال‏:‏ إنهما من السبعين الذين سألهم موسى بن عمران فاخرا حتى أعطيهما محمدا صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ وتلا هذه الآية ‏{‏واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن علي قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا كان يوم الجمعة نزل جبريل عليه السلام إلى المسجد الحرام، فركز لواءه بالمسجد الحرام وغدا بسائر الملائكة إلى المساجد التي يجمع فيها يوم الجمعة، فركزوا ألويتهم وراياتهم بأبواب المساجد، ثم نشروا قراطيس من فضة وأقلاما من ذهب، ثم كتبوا الأول فالأول من بكر إلى الجمعة، فإذا بلغ من في المسجد سبعين رجلا قد بكروا طووا القراطيس، فكان أولئك السبعون كالذين اختارهم موسى من قومه، والذين اختارهم موسى من قومه كانوا أنبياء‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا راح منا إلى الجمعة سبعون رجلا كانوا كسبعين موسى الذين وفدوا إلى ربهم أو أفضل‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في قوله ‏{‏النبي الأمي‏}‏ قال‏:‏ كان لا يكتب ولا يقرأ‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ‏{‏الرسول النبي الأمي‏}‏ قال‏:‏ هو نبيكم صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يكتب‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال ‏"‏خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال‏:‏ أنا محمد النبي الأمي، أنا محمد النبي الأمي، أنا محمد النبي الأمي، ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه، وعلمت خزنة النار وحملة العرش، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم، فإذا ذهب بي فعليكم كتاب الله، أحلوا حلاله وحرموا حرامه‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، وإن الشهر كذا وكذا، وضرب بيده ست مرات وقبض واحدة‏"‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ من طريق مجالد‏.‏ قال‏:‏ حدثني عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال‏:‏ ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب، فذكرت هذا الحديث للشعبي فقال‏:‏ صدق، سمعت أصحابنا يقولون ذلك‏.‏

قوله تعالى ‏{‏الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل‏}‏‏.‏

أخرج ابن سعد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ‏{‏الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل‏}‏ قال‏:‏ يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوبا عندهم‏.‏

وأخرج ابن سعد عن قتادة قال‏:‏ بلغنا أن نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الكتب محمد رسول الله ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح، أمته الحمادون على كل حال‏.‏

وأخرج ابن سعد وأحمد عن رجل من الأعراب قال‏:‏ جلبت حلوية إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغت من بيعتي قلت‏:‏ لألقين هذا الرجل ولأسمعن منه‏.‏ فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشيان، فتبعتهما حتى أتيا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أنشدك بالذي أنزل التوراة، هل تجدني في كتابك ذا صفتي ومخرجي‏؟‏ فقال برأسه هكذا؛ أي لا‏.‏ فقال ابنه‏:‏ أي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله‏.‏ فقال‏:‏ أقيموا اليهودي عن أخيكم، ثم ولي كفنه والصلاة عليه‏"‏‏.‏

وأخرج ابن سعد والبخاري وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عطاء بن يسار قال‏:‏ لقيت عبد الله بن عمرو بن العاصي قلت‏:‏ أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ أجل - والله - إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ‏{‏يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا‏}‏ ‏(‏الأحزاب الآية 45‏)‏ وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ ويفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا‏.‏

وأخرج ابن سعد والدارمي في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الله بن سلام قال‏:‏ صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ‏{‏يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا‏}‏ ‏(‏الأحزاب الآية 45‏)‏ وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء حتى يقولوا‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ ويفتح أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا‏.‏

وأخرج الدارمي عن كعب قال‏:‏ في السطر الأول‏:‏ محمد رسول الله عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام‏.‏ وفي السطر الثاني‏:‏ محمد رسول الله أمته الحمادون، يحمدون الله في السراء والضراء، يحمدون الله في كل منزلة ويكبرونه على كل شرف، رعاة الشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة، ويأتزرون على أوساطهم، ويوضئون أطرافهم، وأصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل‏.‏

وأخرج ابن سعد والدارمي وابن عساكر عن أبي فروة عن ابن عباس‏.‏ إنه سأل كعب الأحبار كيف قد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال كعب‏:‏ نجده محمد بن عبد الله، يولد بمكة ويهاجر إلى طابة، ويكون ملكه بالشام، وليس بفاحش ولا سخاب في الأسواق، ولا يكافئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، أمته الحمادون يحمدون الله في كل سراء، ويكبرون الله على كل نجد، ويوضئون أطرافهم، ويأتزرون في أوساطهم، يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم، دويهم في مساجدهم كدوي النحل، يسمع مناديهم في جو السماء‏.‏

وأخرج أبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن أم الدراداء قالت‏:‏ قلت لكعب‏:‏ كيف تجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة‏؟‏ قال‏:‏ نجده موصوفا فيها محمد رسول الله اسمه المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، وأعطي المفاتيح ليبصر الله به أعينا عورا، ويسمع به الله آذانا صما، ويقيم به السنة المعوجة حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعين المظلوم ويمنعه من أن يستضعف‏.‏

وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏صفتي أحمد المتوكل مولده بمكة ومهاجره إلى طيبة، ليس بفظ ولا غليظ، يجزي بالحسنة الحسنة ولا يكافئ بالسيئة، أمته الحمادون يأتزرون على أنصافهم، ويوضئون أطرافهم، أناجيلهم في صدورهم، يصفون للصلاة كما يصفون للقتال، قربانهم الذي يتقربون به إلي دماؤهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار‏"‏‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ - الآية ‏(‏156 - 157‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وأخرج أبو نعيم عن كعب قال‏:‏ إن أبي كان من أعلم الناس بما أنزل الله على موسى، وكان لم يدخر عني شيئا مما كان يعلم، فلما حضره الموت دعاني فقال لي‏:‏ يا بني، إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئا مما كنت أعلمه، إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما‏:‏ نبي يبعث قد أظل زمانه فكرهت أن أخبرك بذلك، فلا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى وطينت عليهما، فلا تعرضن لهما ولا تنظرن فيهما حينك هذا، فإن الله إن يرد ذلك خيرا ويخرج ذلك النبي تتبعه، ثم أنه مات فدفناه فلم يكن شيء أحب إلي من أن أنظر في الورقتين، ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين، فإذا فيهما‏:‏ محمد رسول الله خاتم النبيين لا نبي بعده، مولده بمكة ومهاجره بطيبة، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ويجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويصفح، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال، تذلل ألسنتهم بالتكبير وينصر نبيهم على كل من ناوأه، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم، أناجيلهم في صدورهم وتراحمهم بينهم تراحم بني الأم، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم‏.‏

فمكث ما شاء الله ثم بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة، فأخرت حتى استثبت، ثم بلغني أنه توفي وأن خليفته قد قام مقامه، وجاءتنا جنوده فقلت‏:‏ لا أدخل في هذا الدين حتى أنظر سيرتهم وأعمالهم، فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدمت علينا عمال عمر بن الخطاب، فلما رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء علمت أنهم هم الذين كنت أنتظر، فو الله إني لذات ليلة فوق سطحي، فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله ‏{‏يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ‏(‏النساء الآية 47‏)‏ الآية‏.‏ فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي، فما كان شيء أحب إلي من الصباح فغدوت على مسلمين‏.‏

وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن علي بن أبي طالب ‏"‏أن يهوديا كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم دنانير، فتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له‏:‏ ماعندي ما أعطيك‏.‏ قال‏:‏ فإني لا أفارقك يا محمد حتى تعطيني‏.‏ قال‏:‏ إذن أجلس معك يا محمد‏.‏ فجلس معه فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والغداة، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتهددون اليهودي ويتوعدونه، فقالوا‏:‏ يا رسول الله، يهودي يحبسك‏؟‏ قال‏:‏ منعني ربي أن أظلم معاهدا ولا غيره، فلما ترحل النهار أسلم اليهودي وقال‏:‏ شطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت الذي فعلت بك إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة‏:‏ محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا متزين بالفحشاء ولا قوال للخنا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن سعد عن الزهري‏.‏ إن يهوديا قال‏:‏ ما كان بقي شيء من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة إلا رأيته إلا الحلم، وإني أسلفته ثلاثين دينارا في ثمر إلى أجل معلوم، فتركته حتى إذا بقي من الأجل يوم أتيته فقلت‏:‏ يا محمد، اقضني حقي فإنكم معاشر بني عبد المطلب مطل‏.‏ فقال عمر‏:‏ يا يهودي الخبيث، أما والله لولا مكانه لضربت الذي فيه عيناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏غفر الله لك يا أبا حفص، نحن كنا إلى غير هذا منك أحوج إلى أن تكون أمرتني بقضاء ما علي، وهو إلى أن تكون أعنته على قضاء حقه أحوج فلم يزده جهلي عليه إلا حلما‏.‏ قال‏:‏ يا يهودي، إنما يحل حقك غدا، ثم قال‏:‏ يا أبا حفص، اذهب به إلى الحائط الذي كان سأل أول يوم، فإن رضيه فأعطه كذا وكذا صاعا وزده لما قلت له كذا وكذا صاعا وزده، فإن لم يرض فأعط ذلك من حائط كذا وكذا، فأتى بي الحائط فرضي تمره فأعطاه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أمره من الزيادة، فلما قبض اليهودي تمره قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله، وإنه والله ما حملني على ما رأيتني صنعت يا عمر إلا أني قد كنت رأيت في رسول الله صفته في التوراة كلها إلا الحلم، فاختبرت حلمه اليوم فوجدته على ما وصف في التوراة، وإني أشهدك أن هذا التمر وشطر مالي في فقراء المسلمين‏.‏ فقال عمر‏:‏ فقلت‏:‏ أو بعضهم‏؟‏ فقال‏:‏ أو بعضهم‏.‏ قال‏:‏ وأسلم أهل بيت اليهودي كلهم إلا شيخ كان ابن مائة سنة فعسا على الكفر‏"‏‏.‏

وأخرج ابن سعد عن كثير بن مرة قال‏:‏ إن الله يقول‏:‏ لقد جاءكم رسول ليس بوهن ولا كسل، يفتح أعينا كانت عميا، ويسمع آذانا صما، ويختن قلوبا كانت غلفا، ويقيم سنة كانت عوجاء، حتى يقال‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة قال‏:‏ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس فقال ‏"‏أخرجوا إلى أعلمكم فقالوا‏:‏ عبد الله ابن صوريا‏.‏ فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناشده بدينه وبما أنعم الله به عليهم، وأطعمهم من المن والسلوى، وظللهم به من الغمام، أتعلم أني رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ اللهم نعم، وإن القوم ليعرفون ما أعرف، وإن صفتك ونعتك المبين في التوراة ولكنهم حسدوك‏.‏ قال‏:‏ فما يمنعك أنت‏؟‏ قال‏:‏ أكره خلاف قومي، وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم‏"‏‏.‏

وأخرج الطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن الفلتان بن عاصم قال‏:‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏أتقرأ التوراة‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ والإنجيل‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فناشده هل تجدني في التوراة والإنجيل‏؟‏ قال‏:‏ نجد نعتا مثل نعتك ومثل هيئتك ومخرجك، وكنا نرجو أن تكون منا، فلما خرجت تخوفنا أن تكون هو أنت، فنظرنا فإذا ليس أنت هو‏.‏ قال‏:‏ ولم ذاك‏؟‏ قال‏:‏ إن معه من أمته سبعين ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب، وإنما معك نفر يسير‏.‏ قال‏:‏ والذي نفسي بيده لأنا هو، إنهم لأمتي وإنهم لأكثر من سبعين ألفا وسبعين ألفا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، وغيرهما إلى يهود يثرب وقالوا لهم‏:‏ سلوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم، فقدموا المدينة فقالوا‏:‏ أتيناكم لأمر حدث فينا، منا غلام يتيم يقول قولا عظيما، يزعم أنه رسول الرحمن قالوا‏:‏ صفوا لنا نعته‏.‏ فوصفوا لهم قالوا‏:‏ فمن تبعه منكم‏؟‏ قالوا‏:‏ سفلتنا‏.‏ فضحك حبر منهم فقال‏:‏هذا النبي الذي نجد نعته ونجد قومه أشد الناس له عداوة‏.‏

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب قال‏:‏ كان في بني إسرائيل رجل عصى الله تعالى مائتي سنة، ثم مات فأخذوه فألقوه على مزبلة، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام‏:‏ أن أخرج فصل عليه قال‏:‏ يا رب، بنو إسرائيل شهدوا أنه عصاك مائتي سنة، فأوحى الله إليه‏:‏ هكذا كان لأنه كان كلما نشر التوراة، ونظر إلى اسم محمد صلى الله عليه وسلم قبله ووضعه على عينيه وصلى عليه، فشكرت له ذلك وغفرت ذنوبه وزوجته سبعين حوراء‏.‏

وأخرج ابن سعد والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم مكتوب في الإنجيل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح‏.‏

وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال ‏"‏قدم الجارود بن عبد الله على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وقال‏:‏ والذي بعثك بالحق لقد وجدت وصفك في الإنجيل، ولقد بشر بك ابن البتول‏"‏‏.‏

وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق موسى بن يعقوب الربعي عن سهل مولى خيثمة قال‏:‏ قرأت في الإنجيل نعت محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنه لا قصير ولا طويل أبيض ذو طمرين، بين كتفيه خاتم، يكثر الإحتباء ولا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير، ويحتلب الشاة ويلبس قميصا مرقوعا، ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر، وهو يفعل ذلك وهو من ذرية إسمعيل عليه السلام‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال‏:‏ أوحى الله يعالى إلى شعيب ‏"‏أني باعث نبيا أميا أفتح به آذانا صما، وقلوبا غلفا، وأعينا عميا، مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه الشام، عبدي المتوكل المصطفى المرفوع الحبيب المتحبب المختار، لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح رحيما بالمؤمنين، يبكي للبهيمة المثقلة ويبكي لليتيم في حجر الأرملة، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا متزين بالفحش، ولا قوال للخنا، يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب الرعراع - يعني اليابس - لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشرا ونذيرا، أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم، أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والمغفرة والمعروف حليته، والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به من بعد الضلالة، وأعلم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأسمي به بعد النكرة، وأكثر به بعد القلة، وأغني به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين قلوب، وأهواء متشتتة وأمم مختلفة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، وتوحيدا لي وإيمانا بي وإخلاصا لي وتصديقا لما جاءت به رسلي، وهم رعاة الشمس‏.‏

طوبى لتلك القلوب والوجوه والأرواح التي أخلصت لي، ألهمهم التسبيح والتكبير والتمجيد والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم، ويصفون في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي، هم أوليائي وأنصاري، أنتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان، يصلون لي قياما وقعودا وسجودا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفا، ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، أختم بكتبهم الكتب، وشريعتهم الشرائع، وبدينهم الأديان، من أدركهم فلم يؤمن بكتابهم ويدخل في دينهم وشريعتهم فليس مني وهو مني بريء، وأجعلهم أفضل الأمم، وأجعلهم أمة وسطاء شهداء على الناس، إذا غضبوا هللوني، وإذا قبضوا كبروني، وإذا تنازعوا سبحوني، يطهرون الوجوه والأطراف، ويشدون الثياب إلى الأنصاف، ويهللون على التلال والأشراف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم صدورهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار، مناديهم في جو السماء، لهم دوي كدوي النحل، طوبى لمن كان معهم وعلى دينهم ومناهجهم وشريعتهم، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم‏"‏‏.‏

وأخرج البيهقي في الدلائل عن وهب بن منبه قال‏:‏ إن الله أوحى في الزبور ‏"‏ يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد صادقا نبيا لا أغضب عليه أبدا ولا يعصيني أبدا، وقد غفرت له أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأمته مرحومة أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل، حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم‏.‏ يا داود إني فضلت محمدا وأمته على الأمم، أعطيتهم ست خصال لم أعطيها غيرهم من الأمم‏.‏ لا أؤاخذهم بالخطأ والنسيان، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافا مضاعفة، ولهم عندي أضعاف مضاعفة وأفضل من ذلك، وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم، فإن دعوني استجبت لهم، فإما أن يروه عاجلا وإما أن أصرف عنهم سوءا وإما أن أؤخره لهم في الآخرة، يا داود من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقا بها فهو معي في جنتي وكرامتي، ومن لقيني وقد كذب محمدا وكذب بما جاء به واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبا، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار‏"‏‏.‏

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ أجد في الكتب أن هذه الأمة تحب ذكر الله كما تحب الحمامة وكرها، ولهم أسرع إلى ذكر الله من الإبل إلى وردها يوم ظمئها‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث‏}‏ الآية‏.‏

أخرج الطبراني عن حبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده ‏"‏أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل من الأعراب يستفتيه عن الرجل، ما الذي يحل له والذي يحرم عليه في ماله ونسكه وماشيته وعنزه وفرعه من نتاج إبله وغنمه‏؟‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أحل لك الطيبات وحرم عليك الخبائث إلا أن تفتقر إلى طعام فتأكل منه حتى تستغني عنه‏.‏ قال‏:‏ ما فقري الذي آكل ذلك إذا بلغته‏؟‏ أم ما غناي الذي يغنيني عنه‏؟‏ قال‏:‏ إذا كنت ترجو نتاجا فتبلغ بلحوم ماشيتك إلى نتاجك، أو كنت ترجو عشاء تصيبه مدركا فتبلغ إليه بلحوم ماشيتك، وإذا كنت لا ترجو من ذلك شيئا فأطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه‏.‏ قال الأعرابي‏:‏ وما عشائي الذي أدعه إذا وجدته‏؟‏ قال‏:‏ إذا رويت أهلك غبوقا من اللبن فاجتنب ما حرم عليك من الطعام، وأما مالك فإنه ميسور كله ليس منه حرام غير أن نتاجك من إبلك فرعا، وفي نتاجك من غنمك فرعا تغذوه ماشيتك حتى تستغني، ثم إن شئت فأطعمه أهلك وإن شئت تصدق بلحمه، وامره أن يعقر من الغنم في كل مائة عشرا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن جريج في قوله ‏{‏ويحل لهم الطيبات‏}‏ قال‏:‏ الحلال ‏{‏ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم‏}‏ قال‏:‏ الثقيل الذي كان في دينهم‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ‏{‏ويحرم عليهم الخبائث‏}‏ قال‏:‏ كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلون من المحرمات من المآكل التي حرمها الله‏.‏ وفي قوله ‏{‏ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم‏}‏ قال‏:‏ هو ما كان أخذ الله عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ‏{‏ويضع عنهم إصرهم‏}‏ قال‏:‏ عهدهم ومواثيقهم في تحريم ما أحل الله لهم‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏